انقسام لبناني على مواقع التواصل: هل أمل صاحبة المخبز "جريمة"؟
منذ يومين انتشر فيديو لشابة من جنوب لبنان تدعى زهراء قبيسي، عبّرت فيه عن رؤيتها للواقع المعيشي الصعب الذي يعصف باللبنانيين. ما أثار الإنقسام على مواقع التواصل.
by أحمد الزينالأحداث متسارعة جداً في لبنان، والجو مشحون، والناس تتلقف أي حدث أو مقطع فيديو أو تغريدة لتبث آراءها وضغوطاتها النفسية محولة كل ما ذكر إلى قضايا رأي عام بأسلوب "مع أو ضد"، معيدة إحياء الانقسامات والإصطفافات الفكرية والسياسية المتنوعة في البلد.
منذ يومين انتشر فيديو لشابة من جنوب لبنان تدعى زهراء قبيسي، عبّرت فيه عن رؤيتها للواقع المعيشي الصعب الذي يعصف باللبنانيين. ما أثار الانقسام هنا هو شدة التفاؤل والإيجابية التي أبرزتها، فاعتبر البعض ذلك مبالغة وابتعاد عن الواقع، وراح آخرون يدافعون عن كلامها. وهنا يُطرح السؤال عن سبب لجوء أشخاص إلى ذم الإيجابية في ظل واقع مقيت يملؤه الفساد والفقر. وأيضاً، استحضاراً لما حدث منذ أسبوع، حين شكل خبر انتحار مواطن لبناني بسبب الفقر مادة للإنقسام الشعبي. اليوم ربما يمكننا الإدعاء أن ما قالته زهراء هو "انتحار" إنما بصورته الإيجابية. حين قالت ما عجز عن قوله المحيط، وتركتنا غارقين في حياتنا التي نظن أنها قدرنا الوحيد.
ما أطلقته زهراء هو رصاصة رحمة في العقل السلبي الذي خيّم على المجتمع اللبناني منذ شهر ونصف، وهو صدمة إيجابية وجرأة غير معهودة في إعادة هيكلة صورتنا المتخيلة عن الواقع. نعم هذا النوع الجديد من "الانتحار الايجابي" الذي يخرجنا من دائرة التسليم السلبي إلى موقع تحمل المسؤولية بنفسية مفعمة بالحافزية والثقة بالنفس.
المشكلة اليوم أن الغالبية تريد سماع ما يحلو لها، لكن حقيقة السوشل ميديا تعاكس أهواءها في التقوقع. الهيّن اليوم، هو أن ننصت لشاشات التلفزة التي تبث أوجاع الناس على الدوام، لكن الصعب هو سماع مواطنة في بلد مريض، تعتبر هذا المرض تحدياً وليس أزمة، وتفصل لنا بين آنية الألم وديمومة المعاناة. نعم الصعب هو تقبل اللغة غير السائدة والخارجة عن نهح القولبة الذي سار به أغلب الإعلام اللبناني منذ بداية الاحتجاجات. ثم إننا حين نتأمل قليلاً في رؤية البعض (المنزعجين من فائض الإيجابية لدى زهراء) لماهية الواقع، نلحظ أنه بالنسبة لهم هو أن تأخذ كل شيء بسخرية.
والذي استفزهم ليست إيجابية زهراء بل كونها جدية فيما تقول. لذلك اتهمها البعض بالزيف والبعض الآخر وصلت به التهمة إلى اعتبار أنها تتعاطى المخدرات. لأنهم كونوا صورة أن الواقع قوي ولكي تحاربه يجب أن لا تأخذه بجدية وتسخر منه وتسخفه لكي تنجو منه، وإذا لم تستطع ذلك وبدا لك أنه أقوى من هزليتك، يصبح الإنتحار وجهة نظر عملانية. البعض يريد أن يقول أن المشكلة مع زهراء شخصية، لكن الموضوع أكبر من ذلك، فهي جزء من منظومة فكرية واجتماعية، عبرت عنها بـ"نحن"، قاصدة بيئة المقاومة، موضحة ذلك بأنها الفئة التي قاومت الإحتلال الأسرائيلي ونهضت من تحت الركام ونشلت عنها غبار الحروب، لن تخسر أمام الأزمة الاقتصادية الراهنة على ضراوتها، وأن الحلول الصغيرة ممكنة.
زهراء ليست فقط منظرة بالمفهوم السائد، بل هي نموذج للمواطن الصالح الذي بدأ بنفسه، فهي تمتلك مخبزاً متواضعاً في النبطية (جنوب لبنان) فيه مساحة لتبادل الكتب، تفرز نفاياتها بالتعاون مع البلدية، ليكون محلها صديقاً للبيئة.
لكن للأسف، فإن مواقع التواصل جعلتنا نحاكم إنساناً من خلال مقطع فيديو وننسف كل إنجازاته وخلفيته، حتى أن موجات الإنتفاد منعتنا أن نتذكر حقيقة أن هؤلاء الأشخاص يشبهوننا ويشاطروننا كوكبنا البائس. ربما كلام زهراء لا يخرج عن الإطار التحفيزي الذي يعتمده المعالجون النفسيون لكن المعالج النفسي يسعى إلى حل ولا يكتفي بالتحفيز.
البعض لم يلتفت إلى تعبير زهراء التي رفضت القول إننا أمام أزمة اقتصادية ودعت إلى اعتبارها تحدياً اقتصادياً، فهنا خلاصة قولها: إن اعتبار الأزمة تحدياً هو إقرار بوجود مواجهة تحتاج إلى معرفة نقاط الضعف والقوة وإلى السعي لإيجاد حلول وإصلاح النفس والمجتمع، وليس وتوهيناً بأصل الأزمة الحاصلة. زهراء أثبتت شجاعة حين انتفضت على الصورة النمطية للأزمة بجدية تامة وبرصانة غير معهودة، وبدأت التحدي بتوصيف المشكلة على طريقتها الخاصة وإن كانت لا تروق لكثيرين. فكما الشباب اللبناني يرى التغيير في تظاهرة في الشارع وآخر يراه في السياسة. صورت زهراء التغيير كما يحلو لها. المشكلة الحقيقية بالنسبة لها تكمن في الإستعداد النفسي للمجتمع أمام أي تحد، والتغيير لا يكون بالإستسلام للواقع أو تسخيفه بل بمواجهته بابتسامة صادقة وعمل دؤوب.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً