الفراغ الحكومي في لبنان.. التفاف على المحتجين أم خلافات بين الساسة؟
دخل ملف تشكيل الحكومة في لبنان مرحلة معقدة؛ مع فشل قصر بعبدا في عقد اجتماع للاستشارات النيابية المُلزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة، وسط غضب شعبي يطالب برحيل النخبة السياسية المتهمة بالفشل في إدارة البلاد.
وبينما يتصارع الساسة اللبنانيون كعادتهم إلى حين الوصول لحافة الخطر المحدق، فإن لبنان يواجه كثيراً من المتغيرات على ساحته، وفي مقدمتها التدهور الاقتصادي المستمر.
وخلال الأيام الماضية، انحصر الحديث عن رجل الأعمال اللبناني سمير الخطيب، كمرشح لخلافة رئيس الوزراء المستقيل، سعد الحريري، قبل أن يتراجع هو الآخر، بعد فشل مساعٍ سياسية لتكليف الوزيرين السابقين؛ محمد الصفدي، وبهيج طبارة، وهو ما يطرح تساؤلاً؛ إلى أين يمضي لبنان وسط خلاف ينخر بين ساسته؟
فشل رئاسي
في 8 ديسمبر الجاري، أعلنت الرئاسة اللبنانية تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة حول اختيار رئيس جديد للحكومة إلى 16 من الشهر ذاته.
وأوضحت المديرية العامة للرئاسة اللبنانية أن رئيس الجمهورية، ميشال عون، قرر إرجاء الاستشارات "في ضوء التطورات المستجدة في الشأن الحكومي، وبناء على رغبة وطلب معظم الكتل النيابية، وإفساحاً في المجال أمام المزيد من المشاورات والاتصالات بين الكتل النيابية المختلفة ومع الشخصيات المحتمل تكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة".
وجاءت هذه الخطوة بعد سلسلة اتصالات أجراها عون؛ شملت رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، للبحث في ملف تشكيل الحكومة.
كما ذكرت قناة "الجديد" المحلية أن "رؤساء الكتل الكبيرة طلبوا تأجيل الاستشارات لأسبوع في حد أقصى"، في حين طلب الحريري من عون التأجيل إلى يوم الخميس.
اعتذار 3 شخصيات!
فجأة تراجع سمير الخطيب عن عدم الترشح لرئاسة الحكومة اللبنانية، بعد أن بدا أن هناك فرصاً كبيرة لتوليه المنصب، وعاد اسم سعد الحريري، رئيس الحكومة المستقيلة، ليطرح بقوة مجدداً في إطار حملة يقودها هذه المرة مفتي البلاد، عبد اللطيف دريان.
وكان النائب محمد الصفدي، الذي ترشح للمنصب منتصف الشهر الماضي (قيل إن الحريري رشحه)، قد تراجع أيضاً عن التقدم لرئاسة الحكومة بعد أن اجتمع رؤساء الحكومات السابقون ليعلنوا رفضهم لترشيحه وتقاطر المتظاهرون أمام منزله بطرابلس.
وفي 26 نوفمبر الماضي، نقلت وسائل إعلام لبنانية أن الوزير اللبناني السابق، بهيج طبارة، قدم اعتذاره أيضاً عن عدم قبول التكليف بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.
ومنذ أن استقالت حكومة الحريري، في 29 أكتوبر الماضي، تحت وطأة احتجاجات شعبية اندلعت في 17 من الشهر ذاته، يطالب المحتجون بتشكيل حكومة كفاءات (تكنوقراط) قادرة على التعامل مع الوضعين السياسي والاقتصادي، في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية (1975 - 1990).
التفاف على مطالب المحتجين
استمرار أزمة تكليف شخصية برئاسة الحكومة "عكست في جانب منها محاولة من أحزاب السلطة للالتفاف على مطالب المحتجين بتشكيل حكومة اختصاصيين بمعزل عن المشاركة الحزبية فيها"، وفقاً للمحلل السياسي اللبناني محمود علوش.
كما يرى علوش، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن السبب الأبرز لأزمة تعيين رئيس للحكومة "يعود إلى الخلافات داخل أطراف السلطة".
ويؤكد أن الأزمة الحالية في لبنان "لم تعد بين سلطة وشارع فقط، بل أحدثت انقساماً داخل السلطة نفسها؛ بين الأطراف البارزة كالحريري وعون وحزب الله"، مشيراً إلى أن الحريري "يُناور لتحقيق أفضل الشروط لأنه يُدرك حاجة الآخرين إليه في الحكومة".
ويتحدث علوش عن أن إعلان الحريري تأييد الوزير محمد الصفدي، ثم رجل الأعمال سمير الخطيب لرئاسة الحكومة، لم تكن "سوى مناورة لفرض شروط حكومة التكنوقراط على عون وحلفائه"، مضيفاً: "تأييد الصفدي حرقه في السباق على السراي، وتأييد الخطيب أوقع عون في فخ الإفراج عن موعد الاستشارات، أصبح اللعب الآن على المكشوف بعدما كان تحت الطاولة".
وأوضح أن الحريري أثبت قدرة فائقة على المناورة أكثر من عون وحلفائه، موضحاً أن ذلك يكمن في "استفادته من ضرورة توفر الغطاء السني لأي مُرشح لخلافته وهو ما لم ولن يتحقق".
ويشير في حديثه إلى أن حزب الله يُريد عودة الحريري بشروطه لا بشروط الحريري، "لكن الأخير حقق الآن نقطة إضافية في معركة فرض شكل الحكومة الجديدة".
ما هي حكومة التكنوقراط؟
عاصر لبنان 11 حكومة تكنوقراط؛ 7 منها قبل اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، واثنتين خلالها، واثنتين منذ اتفاق الطائف حتى اليوم، وفقاً لـ"مركز الدولية للمعلومات".
وتتشكل حكومة التكنوقراط من وزراء غير حزبيين يمتلكون الخبرة في مجال وزاراتهم؛ كأن يكون وزير الاقتصاد ذا خلفية اقتصادية أكاديمية أو مهنية، أو الاثنتين معاً.
وقد شكلت أول حكومة تكنوقراط في لبنان عام 1964، واستمرت لسبعة شهور فقط.
ولم تدم أغلب حكومات التكنوقراط الأخرى سوى عدة أشهر، وكان آخرها برئاسة نجيب ميقاتي، واستمرت لثلاثة أشهر، وقد تشكلت عقب شهرين من اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري عام 2005.
وبلغت أطول مدة لحكومة تكنوقراط في لبنان سنتين وثمانية أشهر، وكانت برئاسة سليم الحص، في الفترة الممتدة بين عامي 1976 و1979، في حين سجلت حكومة حسين العويني أقصر مدة لحكومة من هذا النوع، حيث دامت حكومته الثانية عام 1964 أقل من شهرين.
ويدعم سعد الحريري خيار حكومة التكنوقراط برئاسته، وفق ما تنقله وسائل إعلام لبنانية، وتؤيد القوات اللبنانية والحزب الاشتراكي هذا الخيار، لكن هذا الطرح أثار حفيظة حزب الله؛ الذي لا يريد حكومة تتجاوز نتائج الانتخابات النيابية لعام 2018، التي منحت فريقه السياسي الأكثرية النيابية.
وتختلف حكومة التكنو-سياسية عن التكنوقراط بأنها تدمج بين وزراء حزبيين وآخرين اختصاصيين.
لا حسم للخلافات رغم المهلة
المحلل السياسي اللبناني محمود علوش يرى أيضاً في سياق حديثه، أن مهلة الأسبوع التي أعلنتها الرئاسة اللبنانية، قبل موعد الاستشارات الجديد، لن تتمكن الأطراف السياسية اللبنانية خلالها من حسم الخلافات على شكل الحكومة.
وعن أسباب ذلك يقول: "الصراع الآن لا يدور على شخص رئيس الحكومة بل على شكلها ومهامها"، موضحاً: "حزب الله وعون يريدان ضمان تنفيذ شروطهما في شكل الحكومة بحيث تكون من اختصاصيين وحزبيين قبل تسمية الحريري".
وأكد أن الوضع الاقتصادي والأمني لم يعد يحتمل كل هذا الغموض السياسي في لبنان، كل يوم يمر من دون حكومة يعني أضعافاً في طريق الانهيار وأضعافاً أخرى في خسارة ثقة المجتمع الدولي".
وأوضح أن استمرار هذا المسار "سينقل الحالة السياسية من إدارة الأزمة إلى الانقياد نحو ما تُريده الأزمة".
مناشدات لإنقاذ الاقتصاد
ولعل استمرار الاحتجاجات في الشارع اللبناني، مع استمرار تدهور الاقتصاد، دفع الحريري في 6 ديسمبر الجاري، إلى طلب مساعدة دول صديقة وشقيقة في تمويل واردات السلع الأساسية، في وقت تعتزم فيه باريس عقد اجتماع دولي لحشد الدعم لبيروت في مواجهة أزمة اقتصادية حادة.
وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري، إنه طلب العون من دول صديقة لتوفير الائتمان اللازم لواردات الغذاء والمواد الخام، موجهاً رسائل إلى ملك السعودية ورؤساء فرنسا وروسيا ومصر وتركيا والصين، وكذلك رئيس الوزراء الإيطالي ووزير الخارجية الأمريكي.
ودعا الحريري هؤلاء القادة لتأمين "اعتمادات للاستيراد من هذه الدول بما يؤمن استمرارية الأمن الغذائي والمواد الأولية للإنتاج لمختلف القطاعات".
في حين بدأت فرنسا بالتحضر لقمة للمجموعة الدولية لدعم لبنان، في الحادي عشر من الشهر الجاري، وسط صمت من لبنان وعدم إعلانها من سيمثلها في القمة.