نتنياهو الباحث عن طوق نجاة
القراءة في بُعدها السياسي والأمني لما يهجس به نتنياهو، يمكن أن تتجسَّد في مُعطى يُشخّص في أن واشنطن قد تغضّ الطرف عن أيّ تحرّك، يعتقد الأخير أنه يمنحه عامل المُماطلة.
by بسام رجاتشتعل نار التصريحات الصهيونية كما ترتفع سُحب دخان الحوارات واللقاءات التي لم تنتج إلا رماد المواقف التي تنتظر مَن يتعب أولاً.
ولم يعد يُخيّم الصمت في ساحات الأجواء الساخِنة التي أصبحت فرزاً بين مَن يؤيّد رئيس الوزراء المؤقّت بنيامين نتنياهو ومَن يدعو إلى مُحاكمته وابتعاده عن الساحة الحزبية.
ويُسارِع جدعون ساعر الأقوى في حزب الليكود إلى ضمّ أصوات تدعو إلى استقالة نتنياهو من الحزب، وينجح في أن يكسب أشدّ المُساندين له بعد جولاتٍ على المستوطنات والإجتماع بقياداتٍ حزبيةٍ في الليكود، شارِحاً أن الأخير لا يستفيد من الدروس ويذهب إلى تدمير صورة الكيان الصهيوني، ما دفع برئيس الوزراء المؤقّت إلى اعتبار جدعون ساعر بالمُراهِق السياسي. ويبدو أن معركة نتنياهو في أن يبقى رئيساً للوزراء بدأت تضيق وفق التقديرات بالنظر إلى أن أفغيدور ليبرمان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" مُتشبث برأيه تجاه تحالف نتنياهو اليمني وإصراره على حكومة وحدة وطنية برئاسته للإفلات من المحاكمة، أو حكومة مُصغَّرة أيضاً برئاسته وإنْ كانت بالإتفاق مع تكتل أزرقـ أبيض لكن بشرط أن يترأسها أولاً.
وعلى خطٍ موازٍ للنار المُشتعلة لتشكيل الحكومة، والفرصة الأخيرة قبل الذهاب إلى إنتخابات كنيست ثالثة لا تجد تفاعُلاً كبيراً في الأوساط الحزبية والجماهيرية، يذهب نتيناهو إلى الرصاصات الأخيرة المُتبقيّة في جُعبته من خلال تصعيد خطابه ليُلامِس حدود الأمن القومي المُهدَّد بحسب تعبيره. وهذا يحتاج إلى تكاتف بعد أن طلب ستة أشهر في الحكومة لتنفيذ مشروع ضمّ الأغوار وشمالي بحر الميت ومُخطّط تقسيم الضفة الغربية المحتلة بشكلٍ نهائي.
التصريحات النارية التي أطلقها وزير الأمن الصهيوني نفتالي بنيت لا تخرج عن الشراكة والوعود التي قدّمت له في حال إستطاع أن يُجيّش التجمّع الصهيوني حول أن الكيان في خطر، في ظلّ تنامي قُدرات حزب الله القتالية، وكذلك القوّة الإيرانية الموجودة على الأراضي السورية، وقوّة الجيش العربي السوري الذي يعاد بناؤه إضافة إلى المقاومة في غزَّة.
كل هذا التجييش والتصعيد يُقرأ في رسائل يريد نتنياهو توجيهها من خلال وزير الأمن بينت ومفادها أن الوقت قد حان لدرء الخطر المُتصاعِد.
بعض الصحف الصهيونية المُقرَّبة من رئيس الوزراء ركَّزت على أهمية تمتين الجبهة الداخلية بما ينجسم مع أهداف نتنياهو وتحذيراته من المخاطر الكبرى بما يجعله الأجدر في المواجهة بسبب تجربته في الحكومات السابقة.
وربما كانت مؤشّرات الحديث والتصريحات التي أطلقها الأخير عن أهميّة اتفاقية الدفاع المُشترَك بين كيان الاحتلال وواشنطن أكثر تلك الصوَر وضوحاً. وهذه لم تلق الكثير من التجاوب الأميركي حيث صرَّح وزير الدفاع الأميركي مارك أسبر أن ما يجمع أميركا مع "إسرائيل" أكبر من اتفاقية دفاع مشترك.
إذاً التصريحات وحال التوثّب تسودان داخل التجمّع الصهيوني. ويسابق رئيس الوزراء المؤقّت الوقت لتثبيت صحّة كلامه حول تطوّر القدرات الإيرانية في الإقليم، و"المخاطِر" القادمة التي أصبحت مُقلِقة بقوّة.
ومع أن المؤسّسة العسكرية الصهيونية على لسان رئيس الأركان أفيف كوخافي قلَّلت من أهمية تصريحات الوزير بينت وكذلك نتنياهو،إلا أن الخط الساخِن الذي يتواصل عبره الأخير مع المسؤولين الأميركيين حول إيران وحزب الله وسوريا والمقاومة الفلسطينية، يؤكّد على أن هناك محاولات للإفلات من الواقع الداخلي نحو الذهاب إلى مُغامراتِ تؤمِّن له الوقت ليُرتّب أوراقه، وهو يُدرِك أن حزب الليكود لم يعد كما راهَن عليه في الإنتخابات السابقة.
القراءة في بُعدها السياسي والأمني لما يهجس به نتنياهو، يمكن أن تتجسَّد في مُعطى يُشخّص في أن واشنطن قد تغضّ الطرف عن أيّ تحرّك، يعتقد الأخير أنه يمنحه عامل المُماطلة.
وهنا يظهر التسارُع في محاولة إنجاز تحالف أمني عربي ـ صهيوني لمواجهة الجمهورية الإسلامية في إيران. ويبنى على هذا التحالف أية خطوة يمكن أن يُقدِم عليها كيان الإحتلال تجاه الجمهورية الإسلامية في إيران.
لكن وفق التقديرات والقراءات لواقع التطوّرات في المنطقة والإقليم لن تمنح السياسة الهجومية الكيان تفرّداً، ولن تكون بمنأى عن الردّ الإيراني الموجِع للإحتلال.
من ناحية أخرى تعاني منظومة الدول الخليجية اليوم من أزماتٍ عميقة جرّاء الحرب على اليمن، مع تأزّم الأوضاع في المملكة السعودية في ظلّ تراجع نِسَب المُستثمرين في "أرامكو" وهناك العديد من الملفات الشائِكة التي تخيّم بظلّها على المملكة السعودية. ومن المؤكَّد أن هناك تقاطعاً كبيراً بين بعض الدول الخليجية مع كيان الإحتلال ومحاولات الإستفراد بالجمهورية الإسلامية في إيران، لكن كل ذلك وعلى أرض القراءة البعيدة عن الإنشاء السياسي لن تستطيع أن تنقذ نتنياهو من الفشل الذريع.
محاولات حثيثة للخروج من الأزمات الداخلية، وكثير منها يرتبط بإستراتيجيات كيان الإحتلال. لكن التصعيد الذي يلفّ التصريحات الصهيونية اليوم والمُتحالِفة مع نتنياهو تستدعي الإنتباه من مُخطّطات مُجهَّزة مُسبقاً ويمكن أن يستخدمها نتنياهو تحت عباءة الأمن القومي الصهيوني.
وليس التصعيد وتقديرات الموقف التي انتشرت في الأسابيع الأخيرة في كيان الإحتلال مُجرّد هواجِس أمنية فقط، بل تطلّعات يُراد منها تثبيت مُعادلات على الأرض. ويمكن النظر إلى التدريبات العسكرية الصهيونية في قبرص مؤخّراً والتي تُحاكي طبيعة الجغرافيا اللبنانية على أنها جزء من الهواجس الأمنية التي لا تخفي نفسها وتُجهِّز لحروبٍ قادمة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً