تحالف الاقتصاد والسلاح ما بين الصين وإسرائيل- بقلم : ثناء عطوي

by

(مجلة أفق) مؤسسة الفكر العربي

كانت الصين والهند حتى عقود ثلاثة سابقة قوّتين كبيرتين داعمتين للعرب وقضاياهم. اليوم يتغيّر المشهد وتزداد العلاقات الصينية- الإسرائيلية تعاوناً ووثوقاً، وما تحالف الاقتصاد والسلاح إلا جزءٌ من هذا المشهد، وهنا بعض التفاصيل التي لا تخلو من دلالة. إذ لطالما بحثت إسرائيل عن الحليف الأقوى في العالم لتحتمي به وتضمن مصالحها، وهي ترى اليوم إلى الصين "الحليف الاستراتيجي الجديد"، الذي يصوغ معه الكيان العبري أفضل العلاقات تحت عنوان "التجارة الأمنية" التي تزدهر وتتوسّع في صفقات سرّية وعلنية. في العام 2011 بلغ حجم التجارة الثنائية ما بين البلدين نحو 10 مليارات دولار بزيادة 3 مليارات دولار عن العام 2010، كما ازداد حجم التبادل التجاري في 2010 بنسبة 49% بحسب مركز الجزيرة للدراسات. وتُعتبر الصين ثالث أكبر سوق للصادرات الإسرائيلية كما صنّفها الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية، إذ تبيع الصين تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والمواد الطبية والمعدّات الزراعية، في حين شكِّلت السوق الصينية أكبر سوق في العالم (1361 مليون نسمة)، ما يفتح المجال أمام رؤوس الأموال والاستثمارات والمنتجات الإسرائيلية.

نشرت صحيفة "TheTimes of Israel" الصادرة في 29 فبراير 2012 أحدث صفقة وقّعها وزراء مالية البلدين في بكين مطلع العام 2012، وتتضمّن اتفاقاً حول تصدير تكنولوجيات ري المياه الإسرائيلية إلى الصين بكلفة وصلت إلى أكثر من 1 بليون شيكل، "تُسهم في دعم المزارعين وتطوير الزراعة الصينية". وكان لافتاً إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء جولته في ميناء إيلات أخيراً، اعتزام إسرائيل إنشاء خط سكة حديد تجاري بديلاً من قناة السويس لربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط ومرور البضائع من وإلى آسيا وأوروبا، حيث جرى توقيع اتفاقية تعاون بين إسرائيل والصين لإنشاء قطار البضائع الجديد.

لا شك أن قوة الصين كدولة صاعدة وفاعلة في النظام العالمي، ودولة نووية أيضاً، والأكبر عدداً من حيث السكان، ونموّها الاقتصادي المطّرد، كلّها عوامل تُشير إلى أنها ستكون صاحبة أكبر اقتصاد في العالم حتى العام 2030 ، فضلاً عن كونها صاحبة مقعد دائم في مجلس الأمن، وكلّها عوامل أيضاً تدفع إسرائيل نحو بناء أفضل العلاقات مع بكين. في المقابل تستفيد إسرائيل من تفوّقها العسكري والتقنيات الأميركية والغربية المتوافرة لها، لإغراء الصين العاجزة عن مواكبة الخبرات الإسرائيلية والتكنولوجيا الأميركية العسكرية المتطوّرة، خصوصاً بعدما شهدت الصناعات العسكرية الإسرائيلية قفزة كبيرة عقب عدوان العام 1967 تحديداً، وكانت فرنسا حينها المورّد الرئيسي للسلاح الثقيل إلى إسرائيل ما بين 1956- 1967.

لقد أدركت إسرائيل أن أمنها كدولة "مغتصبة" سيعتمد على قوة العلم والتطوير التكنولوجي، وفي أول خطاب لرئيس حكومة إسرائيل ومؤسّسها دايفيد بن غوريون قال "إن أمن إسرائيل لا يقوم فقط على جيش وسلاح، وإنما الأمن هو في تطوير البحث العلمي والقدرات العلمية والفنية لشبابنا..." لقد وظّفت إسرائيل العلم في سبيل تقدّمها، إذ يقدّر عدد مراكز ومعاهد البحوث والدراسات والمؤسّسات الثقافية في إسرائيل نحو 5000 مركز بحسب الباحث عبد الحسن الحسيني الذي أحصى في كتابه "التنمية البشرية وبناء مجتمع المعرفة" الصادر عن "الدار العربية للعلوم ناشرون"، وصول عدد العلماء والتقنيين في إسرائيل إلى 50 لكلّ 10000 نسمة، وهو المعدّل نفسه في فرنسا ويفوق المعدل ذاته في الولايات المتحدة الأميركية الذي يوازي 38 لكلّ 10000 نسمة.

صفقات بملايين الدولارات

كثيرة هي الصفقات التي أنجزها كلّ من البلدين في السنوات الأخيرة، لم يكن آخرها صفقة طائرات التجسّس من طراز "فالكون" المقدّرة بـ 240 مليون دولار، والتي أفشلتها الضغوط الأميركية على تل أبيب في العام 2000، ووصفها حينها وزير الدفاع الأسبق موشيه آرنس في مقال كتبه في صحيفة "هآرتس" في سبتمبر 2009، تحت عنوان "هكذا ضيّعنا الصين"، بـ "أحد أكثر الفصول البائسة في تاريخ الدبلوماسية في إسرائيل".

ولعلّ نظرة على العلاقات بين الطرفين خلال الفترات السابقة تؤشّر على النموّ المطّرد للعلاقات في هذا المجال. إذ كشفت صحيفة "السياسة" الكويتية في عددها الصادر في تاريخ 14 أغسطس 2002 النقاب عن صفقة تصل قيمتها إلى نحو 230 مليون دولار، تتعلق بطلب شركة صينية شراء قمرين اصطناعيين للاتصالات من شركة "تاعس" الإسرائيلية في إطار الاستعدادات لبث الألعاب الأولمبية التي جرت في الصين سنة 2008.

وفي يونيو الماضي تبوَّأت الصناعات الجوية الإسرائيلية مرحلة جديدة من التنافس، وقدّمت إسرائيل عرضًا لمناقصة لبناء مصنعٍ في الصين لتصنيع الطائرات النَّفَّاثة بالتعاون مع شركة تصنيع الطائرات في الصين، وفى حال فازَت إسرائيل بالمناقصة ستكون "صفقة القرن" لتصنيع الطائرات الإسرائيلية في الصين.

وبحسب دراسة أجراها "مركز الجزيرة للدراسات" في أكتوبر 2011، فقد باعت إسرائيل إلى الصين أسلحة خلال الفترة من 1984-1994 بمبلغ 7.5 مليار دولار، وشاركت 164 شركة إسرائيلية في علاقات تقنية في ميادين مختلفة مع الصين، وكانت هي المزود الثاني للصين بعد روسيا. كما كشفت الاتفاقية الصينية - الإسرائيلية في العام 2000 عن تعاون في مجال الدفاع، ولا سيما في إنتاج طائرات من دون طيّار، وهي الاتفاقية التي عطَّلتها واشنطن بعد اكتشافها، كما دفعت إسرائيل غرامة للصين بمقدار 350 مليون دولار كتعويض عن الضرر الذي لحق بها جرَّاء إلغاء مشروع إنتاج طائرات "الفالكون". وتشير معلومات إلى أن شركات إسرائيلية باعت معدّات عسكرية للصين بقيمة 35 مليون دولار في الفترة من 2000 إلى 2003، كما باعتها معدّات بقيمة 20 مليون دولار في الفترة من 2003 إلى 2005.

وكشف رئيس "مركز دراسات الصين وآسيا" محمد خير الوادي في كتابه "العلاقات الصينية- الإسرائيلية: الحسابات الباردة" الصادر حديثاً عن دار الفارابي في بيروت، أن وكالة "تاس" السوفياتية نشرت في العام 1980 تفاصيل بنود صفقة سعت الصين لإبرامها مع إسرائيل وصلت تكلفتها إلى بليون دولار ، بهدف الحصول على 54 مقاتلة من طراز "كفير" ومئات عدّة من دبابات "ميركافا"، إضافة الى مدافع ذاتية الحركة وعربات مدرّعة، وصواريخ "جبريئيل" المضادة للسفن ومعدّات متنوعة. وأكّدت حينها تلك الرواية مجلتا "الإيكونوميست" البريطانية، و"نيوزويك" الأميركية. ولم تكتف الصين بشراء الأسلحة فقط، بحسب مصادر خير الوادي، الذي أكّد أن الصين ضغطت من أجل الحصول على الخبرة الإسرائيلية في عملية إنتاج الأسلحة في الصين، لافتاً إلى الدور الحقيقي الذي لعبه اليهود في الصين في القرنين التاسع عشر والعشرين.

"الصانداي تايمز" في عددها الصادر في 3 أبريل 1988 أكدت أن إسرائيل لا تزال تنفي رسمياً علاقاتها العسكرية مع الصين، على الرغم من أن مجلة "جين الدفاعية" للشؤون العسكرية الموثوق بها قدّرت حجم تجارة السلاح ما بين البلدين بـ 3 مليارات دولار.

وقدّمت إسرائيل بحسب تقرير لوكالة المخابرات الأميركية معلومات مهمّة للصين تتعلّق بأجهزة التوجيه بالصواريخ بصفة عامة وصاروخ "باتريوت" بصفة خاصة. وفي مطلع التسعينيّات بدأت المفاوضات الصينية- الإسرائيلية لتزويد بكين بطائرات استخبارية على نمط "الأواكس" بقيمة 250 مليون دولار. ويعتبر التعاون الإسرائيلي- الصيني في تطوير نظام "فالكون" للسيطرة وإنتاج الطائرة المقاتلة "أف-10" من أهم مشروعات التعاون العسكري ما بين الجانبين.

مصالح متبادلة

التحوّل الذي تشهده العلاقات الصينية- الإسرائيلية، يأتي بناء على حسابات دقيقة لميزان الربح والخسارة لكلا البلدين، فالصين اللاهثة وراء التكنولوجيا الإسرائيلية تُقيم وزناً إضافياً للنفوذ اليهودي في العالم، وتأثير اللوبي الصهيوني في الكونغرس الأميركي خصوصاً، وهو تأثير قد يخفّف من مفعول القرارات التي قد تسيء إلى الصين، إضافة إلى اعتبارات تتعلّق بالتعاون ما بين مراكز البحوث العلمية في البلدين، وهو تعاون قد يمكّن الصين من ولوج أسرار التكنولوجيا الأميركية العسكرية المتطوّرة.

كما تسعى الصين إلى الاستفادة من التقنيات العسكرية الإسرائيلية ذات الأصول الأوروبية في المجال البحري تحديداً، وذلك بعد التوترات البحرية العديدة التي شهدتها الصين مع جيرانها في المحيط الهندي، إذ أعربت الهند وهي حليفة لإسرائيل عسكرياً،عن قلقها من قيام الصين خلال السنوات الأخيرة بتوسيع عدد من الموانئ في بلدان تحدّ الهند مثل باكستان وبنغلاديش وسريلانكا وبورما، وهو ما يُطلق عليه الخبراء الاستراتيجيون "خيط لؤلؤ" الذي يحيط بالهند وجوارها الاستراتيجي. لكن إسرائيل لم تخرق اتفاقياتها العسكرية مع الولايات المتحدة فحسب، وإنما قامت أيضاً بتزويد تايوان التي تُعْتَبَر إحدى أوثق حلفاء واشنطن في جنوب شرق آسيا بمنظومات صاروخية في مواجهة التهديدات الصينية، وزار بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي تايوان في العام 2006، الأمر الذي قوبل برد فعل قويّ من قبل الحكومة الصينية.

أما طموحات إسرائيل فهي كالعادة لا حدود لها، ذلك أن الصين بالنسبة إلى إسرائيل هي العالم الجديد، إنها السوق الأكبر وخزان النفط الأصفر، وجهة التبادل في شتى المجالات، خصوصاً منها التجارية. كما أن علاقاتها الوطيدة مع الصين ستؤدي إلى تحسين مكانتها الدولية وسمعتها المتهالكة في ظلّ المجازر المتلاحقة التي ترتكبها بحق الفلسطينيين، وسياساتها التوسّعية على حساب الحقوق الفلسطينية. وتكتسب المعلومات الاستخبارية المتعلقة بإمكانيات إيران العسكرية، والتي يمكن أن تقدّمها الصين لإسرائيل أهمية كبرى، في إطار الجدل الدائر حول البرنامج النووي الإيراني، والنوايا الإسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية لمفاعلات إيران النووية.

هكذا فإن العلاقات الصينية- الإسرائيلية مرشّحة لمزيد من التطوّر بما يخدم مصالح الطرفين، وخصوصاً الطرف الإسرائيلي الساعي إلى اختراق جبهة الشرق البعيد، ولا سيما الصين، ومزاحمة العرب والمسلمين على علاقاتهم التاريخية والإيجابية مع التنين الصيني، في حين تتقدّم الصين بخطوات سريعة لتقود العالم الجديد.