هكذا أنقذ المفتي أهل السلطة من هرطقة "التأليف قبل التكليف"
by اندريه قصاصفي اللحظة الحاسمة والدقيقة كان لكلام مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان الوقع المدوّي، وكان له فعل الفاعل، الذي لا كلام بعده، وهو الذي يعلو ولا يعلى علي، أقله بالنسبة إلى ما يمثّل ومن يمثل، وإن أزعج هذا الكلام بعض الذين لم يعجبهم مضمونه.
فقبل ساعات من الإستشارات النيابية الملزمة، قبل إرجائها إلى الإثنين المقبل، والتي أربكت الجميع بإستثناء كتلة "الوسط" النيابية، برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، التي سمّت الرئيس سعد الحريري، في الوقت الذي كان الجميع يراهنون على متغيرات الربع الساعة الأخير، إستطاع المفتي دريان إنقاذ الجميع، ولا سيما أهل السلطة، من الوقوع في هرطقة التأليف قبل التكليف، وذلك عندما أبلغ المهندس سمير الخطيب عندما زاره بناء على رغبة دار الفتوى، أن الدار تؤيد الرئيس الحريري لكي يتم تكليفه لتأليف الحكومة التي يقتنع بها، والتي ترضي الحراك الشعبي، على رغم أن هذا الحراك أعلن رفضه من منطلق "كلن يعني كلن"، وهو منطق غير واقعي، وإلا تصبح الرئاسة الثالثة هي المستهدفة فيما الرئاستان الأولى والثانية باقيتان على حالهما، ولن تستطيع سهام الحراك أن تطالهما، مما يعني أن هذا المنصب، الذي على رأسه شخصية من الطائفة السنية هو المستهدف دون سائر المراكز، وهذا الأمر من شأنه أن يخلق بعض الحساسيات داخل الحراك وخارجه، وهذا ما لا يقبل به جمهور عريض من هذا الحراك.
فإذا صار التوافق على تسمية الحريري لكي يكلف لتأليف الحكومة العتيدة، بعدما شعر بعض من في السلطة بأنهم خدعوا، وهم الذين كانوا يراهنون على تكليف الخطيب والذهاب إلى حكومة تكنوسياسية كانت جاهزة ومعدّة سلفًا، بالأسماء والحقائب، وحتى بالبيان الوزاري، وهذا ما كان مرفوضًا من قبل كثيرين، وعلى رأسهم رؤساء الحكومات السابقون، الذين حذّروا أكثر من مرّة من المس بأساسيات الدستور وعدم تجاوزه وتخطيه، فإن عملية التأليف ستكون عسيرة وطويلة وصراع بين منطقين، الأول ويمثله الحريري وفريقه، وهو يعبّر إلى حدّ ما عن هواجس الشارع، ويتجسد بالمطالبة بحكومة تكنوقراط لا يكون فيها أي تمثيل للأحزاب، وبين منطق أهل السلطة، الذين يريدون حكومة تكنوسياسية، وبين منطق الحراك الشعبي الذي يرفض كل هذه الطبخات ما لم يتم التوافق على شخصية محايدة من خارج الصف التقليدي.
فتأجيل الإستشارات أسبوعًا آخر من التسويف والمماطلة يدخل البلاد مجدّدًا في نفق مظلم لا يعرف أحد كيف سيكون الخروج منه، مع ما يحيط بأزمة التكليف من مضاعفات لا تُحمد عقباها، خصوصًا أن لا أحد يملك الرؤية الواضحة لما سيكون عليه الوضع في ظل التجاذب السياسي الحاصل على أكثر من جبهة، وهذا ما يدعو إلى ترقب ما قد يستجدّ من تطورات داخلية وخارجية في الأيام المقبلة.
وعلى رغم هذا التجاذب في الوقت الضائع، والذي يحتاج فيه البلد إلى كل دقيقة للتعويض عما فاته من إضاعة الفرص، فإن بعض المراقبين يرون في ما حدث، ومن دار الفتوى بالذات، فرصة لإعادة تصويب الأمور بعد إنحرافها عن مسارها الطبيعي والمنطقي، وضرورة الإفادة من الوقت المستقطع لوضع هذه الأمور في نصابها القانوني والدستوري، بحيث لا يصبح إستسهال الحلول على حساب الدستور من الأمور المستباحة عند كل إستحقاق.