https://palsawa.com/img/TOBZb.jpg
طلال عوكل

صواريخ عبثية لكن الأهداف خطيرة

by

في غزة هاشم، تأخر سقوط المطر هذا العام، والجو لا يزال ربيعياً حتى أن المناخ خالف المألوف منذ عقود، ما أدى إلى تأخر موعد قطاف الزيتون، إلى أسابيع متأخرة من شهر تشرين الأول، إلاّ لمن أراد أن يلحق السعر كما يقال.
المشايخ صدقوا تنبؤات الأرصاد الجوية، فأقاموا صلاة الاستسقاء لكن الغيث لم يسقط، إلاّ بعد سقوط القذائف الثقيلة التي أطلقتها طائرات الاحتلال بنوعيها الحربي والمروحي، ربما كان ذلك، لتنظيف الجو من الغبار والأدخنة التي تسببت فيها الغارات الإسرائيلية.
القصف الإسرائيلي جاء هذه المرة، رداً على صاروخين تصدت لهما منظومة "القبة الحديدية". السؤال ليس لماذا تشن الطائرات الإسرائيلية غاراتها على قطاع غزة، وتحديداً على مواقع لحركة حماس ، فلقد تعودنا أن الاحتلال لا يحتاج إلى ذرائع لكي يمارس طبيعته الإجرامية"؟
السؤال هو من الذي أطلق الصواريخ، وما هي الرسائل التي أرادها مطلقوها وفي هذا التوقيت بالذات، ولماذا لم تتخذ إسرائيل من ذلك ذريعة لشن عدوان شامل على القطاع، طالما أن نتنياهو لا يتوقف عن إطلاق التهديدات والإعلان عن الجاهزية الكاملة؟
الشعور السائد لدى المواطنين في القطاع، هو أن نتنياهو مستعد لشن عدوان مدمر على قطاع غزة، أملاً في أن يؤدي ذلك إلى إنقاذه وهو المعروف عنه أنه يمكن أن يفعل أي شيء انطلاقاً من دوافع شخصية.
تذكرنا صواريخ، أول من أمس، بالصواريخ التي تم إطلاقها من قطاع غزة في اليوم التالي للإعلان عن وقف إطلاق النار بعد يومين من الاشتباك بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي، إثر قيام إسرائيل بعملية الاغتيال المزدوجة للشهيد أبو العطا، ونجل القائد الجهادي في دمشق أكرم العجوري.
كان إطلاق الصواريخ بعد توقف الجولة السابقة، قد وقع من قبل جماعة من الجهاد الإسلامي، عبرت عن رفضها واحتجاجها على قرار الحركة وقف إطلاق النار والذي تم بوساطة مصرية.
الحديث عن الجهة التي أطلقت الصاروخين، أول من أمس، مجرد تكهنات وتحليلات ليس أكثر، إذ لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن ذلك، ولكن الأقرب إلى الواقعية هو أن الجماعة ذاتها التي عبرت عن احتجاجها من خلال إطلاق الصواريخ في المرة الأولى هي ذاتها التي قامت بإطلاقها في المرة الثانية.
معنى ذلك أن ثمة خللا في الوضع الداخلي لحركة الجهاد الإسلامي بين من، يأخذ بعين الاعتبار العوامل والظروف الوطنية، وبين من يغلب البعد، الخارجي الإقليمي.
في أزمان سابقة، كانت فصائل الثورة الفلسطينية، تزامن احتفالاتها، بانطلاقاتها، مع القيام بعمليات عسكرية، كجزء من أجندات الاحتفالات، لكن هذه الفصائل غادرت هذا التقليد منذ زمن.
في ذكرى انطلاقتها، أقامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مسيرة انتهت بمهرجان ألقى فيه عضو مكتبها السياسي جميل مزهر كلمة ضافية، لكنها كانت كافية لتغطية رؤية الجبهة في هذه المرحلة.
الجبهة الشعبية كما غيرها من فصائل المنظمة تبدي حرصاً على مصالح الناس الذين يرفضون الدخول في مغامرات عسكرية تؤدي إلى إلحاق دمار كبير، ويسقط خلالها شهداء وجرحى كثر، ولذلك فإن المنطق يستبعد أن تكون أي من فصائل المنظمة هي التي تتحمل المسؤولية عن إطلاق الصواريخ.
من قام بإطلاق الصواريخ، لم يهدف إلى الاشتباك مع العدو، بقدر ما أنه أراد استدعاءه للتدخل بقوة، لقلب حسابات، يجريها وفدان من حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي في القاهرة، بالتفاعل مع المخابرات المصرية.
إذا كان الفعل وطنياً بريئاً، وتعبيراً عن الالتزام بإدامة الاشتباك مع الاحتلال، فلماذا إذاً، لم تطلق الجماعة ذاتها صواريخها رداً على القصف الإسرائيلي؟
في الواقع فإن هذه الصواريخ عبثية بامتياز، وإن كانت لها أهداف، محددة، ورسائل مفهومة، موجهة إلى قيادتي الحركتين اللتين تبحثان في القاهرة ملف التفاهمات، والهدنة طويلة أو قصيرة الأمد، الإشارات التي تصدر عن الأطراف، سواء إسرائيل أو حماس أكثر من واضحة، حتى لو افترضنا تباين الأهداف.
حين تصدر تصريحات من وزير الجيش الغر والمتطرف جداً نفتالي بينيت تشير إلى إمكانية السماح بإقامة ميناء عائم ومطار في قطاع غزة فإن الأمر لا يحتاج إلى تفكير عظيم حول الأهداف وآليات تحقيقها.
وحين تقبل حركة حماس إقامة مستشفى ميداني أميركي مشبوه، على الخط الفاصل شمال قطاع غزة، وتعترف بأنه جزء من التفاهمات فإن الأمر أكثر من واضح، بمعنى أن ثمة ما يجري بحثه بشأن الثمن الذي سيدفعه الطرف الفلسطيني مقابل ما يمكن اعتباره رفع أو تخفيف الحصار عن القطاع.
في هذه الحالة، كان المطلوب أن تندرج حركة الجهاد الإسلامي في هذه التفاهمات أو أن تصمت عنها، حتى لا تمارس بما تملك من إمكانيات تسليحية قطع الطريق على إمكانية النجاح في التوصل إلى تفاهمات مقابل التهدئة أو الهدنة.
لا نذيع سراً، إن اعترفنا بأن مجريات الأحداث خلال السنوات السابقة، والحال المزري الذي يعاني منه سكان القطاع، يترك لدى السكان شعوراً لا يرفض، بل ربما يدعم أي اتفاق حتى لو كان الثمن هدنة طويلة أو قصيرة الأمد، خصوصاً أن موقف القيادة الثابت، يرفض استخدام السلاح، أو العنف في معادلة الصراع الجارية مع الاحتلال، على الأقل في هذه الفترة من الزمن.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر اصحابها، وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية