https://khaberni.b-cdn.net/uploads/news_model/2019/12/main_image5dedee1f846a3.jpeg

موازنة 2020 .. استثمارية أم استهلاكية؟

لن نتوقف كثيرا عند تقديرات الموازنة وحجمها للعام المقبل، فهي تظل مجرد تقديرات تتكئ على مجموعة فرضيات، في الغالب لا تتحقق بالكامل، بل السؤال الأهم هل تحمل الموازنة الجديدة فلسفة جديدة فيما يخص الأداء الاقتصادي؟ وهل التركيز على النمو يعني تقديم الدعم والمساندة للقطاعات الانتاجية على حساب الاستهلاكية، ام ان الموازنة هي تكرار لموازنات سابقة، ولكنها ستزيد النفقات الجارية والرأسمالية بنسب متفاوتة، لن نتوقف عندها مرة اخرى لأنها لن تتحقق استنادا لتجربة العام الماضي على الأقل.

لا يخفى ان موازنة العام المقبل تشمل عنصر مغامرة لا يمكن الاستهانة به، فهي تغامر بالتوسع في العجز وبالتالي نسبة المديونية ولو مؤقتا لصالح تحفيز النمو، وتم التوصل الى هذه القناعة من خلال التركيز على مقولة ان الخروج من حالة التباطؤ الاقتصادي لن تتم إلا من خلال استعادة زخم النمو، ولا خلاف على ذلك، لكن ما الذي منعنا من إطلاق ذلك العنان سابقا، ولماذا عجز الخبراء عن التوصل لهذه البديهية منذ سنوات، وهل كان التشدد في النفقات العامة والإصرار على بقاء العجز عند حدود ضيقة من خلال تعزيز الايرادات المحلية وضبط النفقات وهو الشعار الذي تبنته الحكومات السابقة خطأ؟ أم أن هذا نابع من قناعة ان ضبط الإطار العام الكلي للاقتصاد هو ما سيضمن ثقة المستثمرين وبالتالي تدفق الاستثمارات؟

من الواضح أن العام المقبل سيشهد تغييرا في هذه الديناميكية لصالح اتباع سياسة مالية توسعية لا تضع نسبة العجز في الموازنة او حجم المديونية كحجر زاوية لضبط إيقاع السياسة المالية وبالتالي تأمين الثقة فيه، ويستدل على هذا من خلال القرارات المتعلقة بزيادات رواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين، وبعض الاجراءات التحفيزية. بمعنى أن الخطوة الأولى لاستعادة زخم النمو ستأتي من زيادة نفقات القطاع العام، وغض الطرف مؤقتا عن مآلات ذلك.

في هذا السياق، مسألتان تستحقان الالتفات اليهما، الأولى ترتبط بزيادة فاتورة الرواتب والتقاعد، وفي دولة مثل الأردن تستورد ما يعادل 42 في المائة من الناتج المحلي، هل نتوقع ان التوسع في هذا البند سيكون له أثر إيجابي على التوسع في الاعمال وتنشيط الدورة الاقتصادية بشكل مستدام، أم ان هذا الاجراء سيرتب أعباء إضافية على المدى البعيد ستنعكس عجزا على الموازنة ؟ وهذا تساؤل يُؤمل ان تجيبه نقاشات الموازنة التي تنطلق قريبا.

والمسألة الثانية ترتبط بحزم التحفيز، والتي في جوهرها ركزت على تخفيض كلفة المعاملات مثل الرسوم والإجراءات وبعض الترتيبات في سوق العمل، وقامت بإلغاء بعض الهيئات وقدمت بخجل شيئا من الدعم للقطاعات الانتاجية، ولكن تلك الاجراءات لم تعالج مكبلات الاقتصاد الرئيسة المتمثلة بكلف الطاقة، والنقل والتمويل والايدي العاملة المحلية المتخصصة، ولكنها وللإنصاف تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح.

الخلاصة، ان مبدأ دعم النمو لا خلاف عليه، ولكن الاجراءات التي تحملها موازنة العام المقبل، عكست فلسفة دعم الاستهلاك وتحسين مستوى المعيشة، ولم تشمل توجها واضحا بتوفير اطار لدعم القطاعات الانتاجية التي تولد فرص عمل وتحقق نموا مستداما يؤسس لتغييرات هيكلية بات الاقتصاد الأردني بأمس الحاجة اليها، فالتحسين المؤقت لرواتب ومتقاعدي القطاع العام والذي لقي استحسانا لدى المستفيدين منه، هو العنوان الأبرز لموازنة 2020، ويبقى ان مشروع الموازنة الآن بات ملكا لمجلس النواب والذي يمكن ان يراجعه ويضبط حجم العجز المتوقع لكي لا نراهن على تحسن مستوى النمو مع الإخلال في أسس استقرار الاقتصاد الكلي الذي يشكل الأساس المتين لاكتساب الثقة.

(الغد)