أيّ دورٍ لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في احتجاجات لبنان؟

مع دخول المظاهرات في لبنان شهرها الثاني، بدا واضحاً الدور الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى فضاء يضبط إيقاع الشارع ويحركه في كل أرجاء البلاد.

by

لحظةً بلحظة، يواكب اللبنانيون التحركات في المناطق البعيدة عن العاصمة، والتي غاب عن تغطيتها معظم الإعلام التقليدي. الهواتف لا تفارق أيدي الناشطين على هذه المنصات.

"تويتر" و"فايسبوك" نقلا رسائل المتظاهرين في بيروت إلى رفاقهم المحتجين في الجنوب والشمال. ولكن دور وسائل التواصل الاجتماعي تجاوز كونه مجرّد وسيط ينقل الخبر، إلى فضاءٍ يحتدم فيه النقاش بين مؤيد ومعارض لتطورات المشهد اللبناني.

فما هو الدور الذي لعبه مواقع التواصل الاجتماعي خلال احتجاجات لبنان؟ 

الدكتور في الجامعة اللبنانية، علي رمال، يرى في حديث لـ "الميادين نت" أنّ وسائل التواصل الاجتماعي، قامت بالأدوار التي كانت تقوم بها الأحزاب، وهي اليوم تلعب دوراً تعبوياً وتوجيهياً وتنظيمياً.

الهواتف الذكية تحولت لأداة توجيه من قبل الأفراد للدعوة إلى قطع الطرقات والاعتصام أمام المؤسسات العامة.

رمال يشير إلى أنه " أثناء قطع الطرقات كان هناك عملية توجيه لحظة بلحظة، الكتل البشرية تنتقل من موقع الى آخر لضبط ايقاع التحرك".

وفي حين اتخذ الناشطون من وسائل التواصل الاجتماعي مكاناً للتعبئة والدعوة إلى التحرك، نشطت حركة معارضة سعت إلى تقديم أفكار مضادة وتبين بعض المطبات التي وقعت فيها المظاهرات مثل قطع الطرقات.

الدكتور رمال يشرح أن هذه التعبئة المضادة لجأت إلى وسائل التواصل لصناعة حدث أو موقف معين، وهو ما يترجم بالإعلام الكلاسيكي "الدعاية والدعاية المضادة".

الدعاية المضادة للمظاهرات أخذت طابعاً تشكيكياً بما يقوم به المتظاهرون، وفقاً لرمال. وبالتالي أضحت "المواجهة عنيفة وغير مسبوقة" على هذه المنصات واستخدمت فيها كل أدوات التخوين والحرب النفسية، على حد تعبيره. 

مثالٌ على ذلك، عندما ظهرت فكرة تسيير "بوسطة الثورة" (حافلة نقل) من شمال لبنان إلى جنوبه، اعترض نشطاء على الفكرة بحجة أنّ هذه البوسطة تذكّر بحادثة "بوسطة عين الرمانة" التي كانت شرارة اندلاع الحرب الأهلية.

النزاع بين مؤيدي ما سمي "بوسطة الثورة" ومعارضيها بدأ على مواقع التواصل الاجتماعي لينتقل لاحقاً إلى احتجاجات على الأرض واشتباكات أحياناً. وبالتالي تحول العالم الافتراضي إلى مكان يُصنع فيه الرأي العام بين مؤيد ومعارض للبوسطة. ومن بين الوسوم الأكثر استخداماً للتغريد حول هذا الموضوع كان وسم #بوسطة_الثورة ووسم #البوسطة_فتنة . 

المراسل الجوال

منذ بدء الاحتجاجات، برز مصطلح "صحافة المواطن" على وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث أضحى كل مواطن يستخدم كاميرته لنقل الحدث على السوشيل ميديا صحافياً بحد ذاته.

هؤلاء المراسلون الجوالون قاموا بتغطية المناطق التي شهدت تحركات بعيدة عن العاصمة بيروت. كما تولوا نقل الصورة التي تعمدت بعض وسائل الإعلام التعتيم عليها لأهداف سياسية، والمثال، التغطية الضعيفة للاعتصامات أمام مصرف لبنان المركزي.

الإعلام التقليدي استفاد كثيراً من المراسلين الجوالين، وفقاً للدكتور رمال، الذي أوضح أنّ هؤلاء قاموا بتصوير كل نقاط الاحتجاج داخل لبنان وفي الخارج من قبل المواطنين ما أعطى انطباعاً أن هذا الاحتجاج له زخم داخلي وخارجي.

ومن بين الصفحات التي نشأت على السوشيل ميديا هي صفحة  "الإعلام البديل" التي تولت نقل أخبار التظاهرات في المناطق اللبنانية، ونشرت دعوات لإغلاق مرافق عامة. صفحة "أخبار الساحة" أيضاً قامت بتصوير ونشر مقاطع فيديو لتظاهرات في قرى بعيدة عن العاصمة بيروت لم تصل لها كاميرا الإعلام التقليدي.

قادة السوشيل ميديا

من بين الأسئلة الأكثر تداولاً وحيرة منذ بدء احتجاجات 17 تشرين الأول/أكتوبر، هي هوية القادة الذين يحركون الشارع. من هم؟ ولماذا لم نسمع عن قادة للمتظاهرين حتى اليوم؟

الدكتور رمال يقول إنه تشكل ما يسمى بنشطاء وسائل التواصل الذين يمتلكون عدداً معيناً من المتابعين. واستطاع هؤلاء النشطاء، وفقاً لرمال، توجيه دعوات إلى الناس للنزول إلى الشارع، معتبراً أن هناك "قيادة ولكنها غير ظاهرة في الشارع ولكن إذا أجرينا مسحاً لمواقع التواصل الاجتماعي فهي ظاهرة جداً".

هؤلاء النشطاء يدخلون في حالة صدام مع نشطاء آخرين يمثلون أهداف ووجهات أخرى، بحسب رمال.

حرب الصور

تداول الناشطون منذ بدء الاحتجاجات العديد من الصور والتسجيلات الصوتية والأخبار الكاذبة التي من شأنها أن تزيد من حالة الهلع والقلق لدى اللبنانيين. 

ويقول الأستاذ في الجامعة اللبنانية علي رمال إن هناك ضخاً كبيراً لأخبار وصور كاذبة "اليوم نحن في حرب الصور على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الحرب تظهر الأشخاص بانتماءات وتظهرهم بعداءات".

فيما يلي نستعرض صوراً تداولها ناشطون على السوشيل ميديا، واتضح فيما بعد أنهما مفبركة أو تم تحريفها.

-تم تداول صورة للرئيس اللبناني السابق أمين الجميل، وتناقل الناشطون هذه الصورة مع زعمهم أنها التقطت خلال تظاهرة "ضد الفساد"، ليتضح لاحقاً أن هذه الصورة قديمة وتعود إلى مشاركته في احتفال أقيم في بكفيا.

- تناقلت صفحاتٌ على مواقع التواصل صورة لبطاقة سفر، وقيل إنها تعود لرئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة. اتضح فيما بعد أنّه تم التلاعب بالصورة الأصلية التي تخصّ شخصاً آخراً يدعى جميل عيتاني.

-تداول أفراد صورة لفتاة ظهرت على غلاف صحيفة "يديعوت احرونوت" وقيل إنها مراسلة إسرائيلية تدعى برنتساسكا بوري أعدت تقريراً عن احتجاجات لبنان من قلب ساحة رياض الصلح. اتضح لاحقاً أن الصورة التي نشرتها الصحيفة الإسرائيلية هي لمتظاهرة لبنانية تدعي جوان خليل، وليست مراسلة إسرائيلية. 

- بعد تداول فيديو يصور شاحنات في مناطق جبلية ويزعم أنها للطرق غير الشرعية التي تستخدم للتهريب، أصدرت قيادة الجيش بياناً أنّ هذه الشاحنات تمتلك أوراقاً قانونية وهي مخصصة لنقل اللحوم والخضار وتصديرها إلى الخارج.