مغاور لبنان ثروة مغمورة: معالم جمال واستثمار بيئي

تشكّل المغاور في لبنان عالماً واسعاً وثروة كامنة ومهدورة، تعالوا لنتعرف عليها.

by

تشكّل المغاوِر العديدة المنتشرة في مختلف المناطق في لبنان عالماً واسعاً، وثروة كامِنة ومهدورة، تحتوي جمالات طبيعية، وعوالِم غريبة غير مألوفة، وإمكانية استثمار سياحي بيئي من شأنه تعزيز الاقتصاد.

ونظراً إلى طبيعة لبنان الجيولوجية المُكوَّنة من الصخور الكلسية الصلبة، والجبال، تتكرَّر حالات تشكّل المغاوِر عبر التاريخ الجيولوجي الطويل العائد إلى ملايين السنين، وتتجلّى بصِيَغٍ وأشكالٍ مختلفة. هناك مغاوِر عبارة عن مُجرّد تجويفٍ أرضي، ومنها ما هو نبع للمياه مع مُتدلّيات ومُتصاعِدات كلسية، كمغارة أفقا، ومنها ما هو تشكيل من مُتصاعِدات ومُتدلّيات، ومنبع مياه، واحتمال سياحة واسعة كمغاور "جعيتا" قرب نهر الكلب، 20 كيلومتراً شمال بيروت، و"مبعاج" في جرود جبيل، و"الزحلان" في الضنية، و"قاديشا" في بشري، ومن المغاوِر ما هو مُجرَّد تجويف صخري شكَّل موطِن الإنسان الأول.

وتعمل لجنة البيئة في نقابة المهندسين في طرابلس على تعميق البحث في الموضوع عبر مُتابعاتٍ لها في مختلف المناطق اللبنانية، ويتولّى رئاسة اللجنة عامر حداد، وفي لقاءٍ أجرته معه الميادين الثقافية تناول ملف المغاوِر ومتابعته كونه نابعاً من أهمّيتها على الصُعُد "التراثية والأثرية والبيئية والسياحية، والاستثمار في هذه المجالات يخلق فُرَصَ عمل كبيرة، تُريح عدداً كبيراً من الناس، وتحافظ على الطبيعة والبيئة في آن"، كما قال.

وبحسب ملفات اللجنة، فإن عدد المغاوِر في لبنان يزيد على 600 مغارة من التي جرى الكشف عليها، ودخولها، ووضعها على خارطة الاهتمام السياحي-الاستثماري، منها جعيتا، وقاديشا، وجوف تنورين، ومنها ما جرى رَصْده، ولم يتمّ الدخول إليه نظراً إلى غياب الفِرَق، والجمعيات المُتخصِّصة بالموضوع، وثلثا المغاور موجود في محافظة الشمال.

يلفت حداد إلى أن هذا العدد من المغاوِر كبير، والمؤسِف أن جُلّها مُهمَل، وغالبها من دون بنى تحتية، و"هذا الواقع هو من الأخطاء الكبيرة التي نواجهها في لبنان، ونحن في نقابة المهندسين، نعمل على تفعيل ملف المغاوِر لما فيه من إفادةٍ للقطاع الأهلي، فباستثمار هذه المواقع، نجد الكثير من الإفادة على صعيد الاقتصاد، والمنتوجات المحلية، وتأمين وظائف للناس"، مُضيفاً إن "مفهوم السياحة تغيَّر اليوم، وقلَّة مَن ينزلون في أوتيلات فخمة، وغالبية الناس يحبّون السياحة البيئية القريبة من الطبيعة، من جبال ومغاوِر ومواقع أثرية وتراثية".

واقترح حداد "تشكيل هيئة وطنية رسمية تشتغل على المغاوِر، وتتولَّى تحفيز إنشاء البنى التحتية لها، ويتم تحويلها إلى مناطق سياحية- تراثية على أن لا تُرَمَّم المغاوِر المُكتشفة بصورةٍ عشوائية، ويجب أن يشرف عليها أناس مُتخصّصون"، لافتاً إلى إمكانية "تدريس المغاوِر في الجامعات، كاختصاص، أو مُقرّرات".

ومن المعروف أن أهم مغارتين اكتُشِفتا ووضُعِتا في العمل في لبنان، هما مغارة قاديشا، ومغارة جعيتا، فقاديشا تقع بين بلدة بشري ومنطقة الأرز، وقد حاول أحد النسّاك اكتشاف منبع نهر قاديشا، فلم يفلح لشدّة البرودة فيها، وما حقّقه تأسيس فكرة وجود مغارة في تلك النقطة، حيث تابعت لجنة محلية للكشف عن المغارة بعد رحيله، واكتشفت مناظر ساحِرة من نحت الطبيعة.

ومغارة جعيتا، أشهر من أن تُعرَّف، تقع في وادي نهر الكلب على مسافةٍ تقرب من 20 كم من بيروت، اكتشفها الأميركي ويليام تومسون في ثلاثينات القرن الميلادي التاسع عشر، ويُقال إنه في حينه توغّل فيها نحو 50 متراً، وفي عام 1873 استكشفها فريق من المهندسين البريطانيين كان يعمل في شركة مياه بيروت.

أما الطبقة العُليا فقد اكتُشِفت عام 1958. راهناً تقتصر زيارة مغارة جعيتا السُفلى على عبور نحو 600 متر في المياه من أصل نحو 6910 أمتار، ويزيد من سحرها إمكانية التنقّل فيها في قوارب صغيرة عبر مُسطّح مائي مُتعرِّج.

ثالث المغاوِر اللبنانية الشهيرة مغارة أفقا في جرود جبيل وترتفع عن سطح البحر 1100م  والمغارة مفتوحة على هاوية يزيد عُمقها على 200 متر.

أما مغارة كفرحيم في منطقة الشوف فقد اكتُشِفت في العام 1974، عن طريق الصدفة عندما كان فتية يلعبون كرة القدم في جوارها، وانحرفت الكرة، واستقرّت في فجوةٍ بين الصخور واختفت.

في حين أن مغارة الزحلان في سير الضنية كانت معروفة للسكان المحليين، والقرى المجاورة، وربما بانت فتحة مدخلها عن بُعد فاعتاد على رؤيتها كثيرون، يستثمرها أحد رجال الأعمال المحليين، والمسافة المُستثمَرة منها تبلغ 500 متر، وهي جزء يسير من عُمقها. والمغارة ثلاث طبقات، وفيها نهر من الماء ينبع من المغارة، وكانت مأهولة منذ عشرات آلاف السنين استناداً إلى الأبحاث الجيولوجية والأنثروبولجية التي أجراها فريق علمي مُتخصِّص بإشراف "المجلس الوطني للأبحاث العلمية"، الهيئة الرسمية المستقلّة التابعة لمجلس الوزراء اللبناني، وأهم ما عُثِر فيها هو هياكل بشرية وحيوانية مُتحجِّرة، وبعد تحليلها تبيّن أن عمرها أكثر من 30 ألف سنة.

هناك مغاوِر أخرى أيضاً منها بلعيص، القلانسيّة، ماربولا، هوّة صليبا، ومغارة بنت الملك، وهي تقع في وادي قزحيا باتجاه الشرق، الذي يضمّ المغاوِر المحيطة بدير مار أنطونيوس قزحيا، في قضاء زغرتا - الزاوية، وتوجد مغارة القدّيس أنطونيوس الواقعة عند مدخل الدير، وتمتد داخل الجبل حتى تصل تحت إهدن.

بالإضافة إلى المغاور المُحيطة بالدير، تقع في السفح العالي مغارة بإسم يوسف بك كرم الأهدني الذي التجأ إليها مراراً مدّة حربه ضدّ داود باشا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

ومن المغاوِر "فوّار دارة"، و"هوّة الحمرا" في بلدة مشمش العكارية، ومغارة "قانا" الجنوبية التي تذكر الروايات التاريخية أن السيّد المسيح قد مرّ بها.

يمكن أيضاً تذكّر مغارة "عاصي الحدث" التي عُثِر فيها على ثياب وبقايا بشرية منذ زمن المماليك.  وكذلك مغارة "الحرية" في كرمسدّة قضاء زغرتا -الزاوية تعلو دير سيّدة حماطورة، وهي خُصِّصت للسكن، وتعود إلى العصر البرونزي واكتشفتها "الجمعية اللبنانية لدراسة المغاوِر سنة 2000.

نوادي الاستغوار

بدأ توثيق الاستغوار في لبنان على أيدي مغامرين فرنسيين وبريطانيين وأميركيين عام 1836،  وتركَّزت أبحاثهم أساساً على مغارة جعيتا، التي شكَّلت انطلاقة جميع نشاطات الاستغوار في لبنان.

بدأ مهندسون وأساتذة في الجامعة الأميركية في بيروت (الكلية السورية الإنجيلية يومئذ) بدراسة المغارة بهدف تأمين المياه لمدينة بيروت، وفي العام 1940، سنحت أمام الشاب اللبناني ليونيل غرّة فرصة استكشاف المغارة، ثم قام بمتابعة اكتشافه بمُشاركة عددٍ من أصدقائه.

ومع انضمام آخرين من المُهتّمين بالمغاوِر إليهم، أسَّسوا "النادي اللبناني للتنقيب في المغاوِر" (SCL) عام 1951.

وفي العام 1966 أنشئ "نادي وادي العرايش للاستغوار" في زحلة في البقاع.

ثم في العام 1988 أسَّست مجموعة صغيرة من النادي اللبناني للتنقيب في المغاور ناديها الخاص بإسم "مجموعة الدراسات والأبحاث الجوفية اللبنانية"، وانشقت مجموعة عنها لتؤسِّس "الجمعية اللبنانية لدراسات المغاوِر" عام 1994.

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك المقالات والتحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: webculture@almayadeen.net

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً