يقف الغرب في الحرب السورية إلى جانب الخاسرين
يقف الغرب في الحرب السورية إلى جانب الخاسرين – على هامش الاجتماع الحادي عشر لشبكة خبراء السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وروسيا، قدم الباحث المعروف في برنامج البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط التابع للمعهد الإيطالي للعلاقات الدولية أندريا ديسي، توقعاته لفريق تحرير المجلس الروسي للشؤون الدولية؛ ذلك بشأن نتائج المفاوضات التي تمت حول الدستور السوريّ ، كما تم تقييم فعاليّة العقوبات الأمريكية على إيران، وما يشترك فيه الاتحاد الأوروبي وروسيا في ما يتعلق بسورية والشرق الأوسط.
ترجمة: أيمن علي
الكاتب: أندريا ديسي
الناشر: المجلس الروسيّ للشؤون الدولية
1.ما النتائج التي يمكن توقعها من المفاوضات في جنيف حول الدستور السوري؟
أولاً وقبل كل شيء، أشير إلى أن هذا الاجتماع كان الأول، وسوف يستغرق الأمر وقتاً لمعرفة كيفية سير المفاوضات، وما زال من السابق لأوانه تقييم المفاوضات، وفي الحقيقة نرى أن الاجتماع إيجابيّ، ذلك أنه يعقد بين الأطراف الثلاثة –الحكومة السورية، والمعارضة المدعومة من تركيا وعناصر المجتمع المدني.
رغم التطورات الأخيرة ووجود العديد من التحديات الخطيرة، فقد كان هناك تخوف من أن يكون الغزو التركي لسورية قد قوض الاجتماع المزمع، لكن يبدو أن هذا لم يحدث حتى الآن، والتفاهم المنشود سوف يستغرق وقتاً طويلاً، فهناك العديد من المسائل الخطيرة تتطلب البحث عن حلول لها، ومن المهم التأكيد على أن المفاوضات تجري تحت رعاية الأمم المتحدة، ونأمل أن يستخدم المجتمع الدولي جميع الأدوات المتاحة لتهيئة الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى التقدم في سير المفاوضات.
الصراع السوري مستمر منذ مدة طويلة، ونأمل جميعاً أن تكون المفاوضات هي بداية الحل على أساس الاتفاق والتفاهم المتبادلين. هذه العملية الدستورية رغم أن الأمم المتحدة ترأسها ، تعدّ حيوية بالنسبة للاعبين الرئيسيين في الصراع ، وبخاصّة لسورية وروسيا وتركيا، إذ تحتفظ هذه الدول كافةً بأقصى قدر من التأثير في عملية المفاوضات، كما أن دول الاتحاد الأوروبي تحتفظ بنفوذ محتمل على النتيجة، وستتابع العملية عن كثب كدور مراقب، والسبب الذي يجعل دول الاتحاد الأوروبي ذات تأثير محدود في هذا الصراع هو تهميش دوره، ودفعه إلى الخلفية في المجالين العسكري والدبلوماسي، وعدم وجود أي تأثير لدوله في الأطراف المتحاربة على أرض الواقع، ولكن أعطى الاتحاد الأوروبي أولوية كبيرة لمسألة معالجة قضية الهجرة والمساعدة الإنسانية، كما يحتفظ بفاعلية في مجال العقوبات على الحكومة السورية، ومن المتوقع أن يلعب دوراً هاماً في إعادة إعمار سورية، ما يعزز دوره في المستقبل.
ويُلاحظ في الحقيقة وقوف الغرب، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبيّ، في الحرب السورية إلى جانب الخاسرين، وهذا يفرض تلقائياً قيوداً على قدرته على التأثير في تطور الأحداث، في حين أن الحرب لا تزال مستمرة ولم تنته بعد، لكن من الواضح أن روسيا وتركيا وإيران والحكومة السورية هم اللاعبون الرئيسيون الذين سيحددون مراحلها النهائية، مع الإشارة أن دور الولايات المتحدة الأمريكية سيبقى محدوداً، ورغم أننا نشهد الآن نهاية تدريجية للمرحلة العسكرية فلا تزال مرحلتا السلام وما بعد الحرب السورية غير واضحتي المعالم، وفي الواقع، لم تتمكن أي من الأطراف المتحاربة في سورية من تحقيق النصر النهائي في ساحة المعركة.
من المعروف أن الكثير من المناطق في سورية قد دُمّرت، وليس لدى الغرب اليوم أي نفوذ عسكري يمكن أن يقلب مجرى القتال، ومن المتوقع أن يتمتع الاتحاد الأوروبي ببعض النفوذ في مرحلة ما بعد الحرب السورية حيث سيتعزز دوره الذي نأمل أن يكون إيجابياً بهدف استقرار الوضع في سورية، وإيجاد حل وسط من شأنه أن يعيد بناء البلد ضمن دستور ودولة جديدين حيث يمكن للمواطنين التمتع بقدر ضئيل من الحياة الطبيعية وبعض الحقوق وفرصة العيش في ظروف طبيعية نسبياً.
2.أفادت الأنباء أن العقوبات الأمريكية على إيران تحد من واردات الأدوية المنقذة للحياة. أين ترى الخط الفاصل بين السياسة ورفاهية المواطنين؟
أي عقوبات تستهدف الدولة والمؤسسات الرئيسة مثل البنك المركزي سيكون لها تأثير في المجتمع، وقد كان هذا هو هدف الولايات المتحدة، والهدف هو الضغط الأقصى على إيران بإدارة ترامب، بينما يتحدث وزير الخارجية الأمريكية “مايك بومبيو” عن الرغبة في مساعدة الشعب الإيراني وعدم وجود أي شيء ضده، وحقيقة هذه السياسات هي أنها سيكون لها تأثير مباشر في الحياة اليومية للإيرانيين، بينما لا يشارك الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة سياسة الضغط الأقصى على إيران، ويعارض بشكل خاص العقوبات الثانوية الأمريكية التي تستهدف شركات الاتحاد الأوروبي التي تمارس أعمالها في إيران، بالنظر إلى هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي الدولي والروابط الوثيقة للغاية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن الصعب للغاية تجاهل العقوبات الأمريكية ضد شركات الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الأخرى، والحقيقة هي أن العقوبات المفروضة على البنك المركزي الإيراني لها تأثير في استيراد المعدات الطبية.
رغم أن المستلزمات الطبية مستبعدة نظرياً من العقوبات الأمريكية، فمن الناحية العملية، بسبب العقوبات الثانوية، تواجه الشركات التي تتعامل مع هذا النوع من المعدات صعوبة متزايدة في توفيرها لشركائهم الإيرانيين.
كانت إدارة ترامب تأمل أن يؤدي الضغط الاقتصادي إلى تغيير في سياسات إيران، عن طريق زيادة الضغط الشعبي على النظام الإيراني، وهو نهج لا يوافق عليه الاتحاد الأوروبي مرة أخرى. في الواقع، إذا كان هدف الولايات المتحدة هو إجبار إيران على تغيير سياستها، فإننا نرى أن النتائج كانت عكس ذلك.
كل هذا، ولا سيما شعور الاتحاد الأوروبي بأن إدارة ترامب لا تريد أن تأخذ بالحسبان المصالح الأمنية للاتحاد الأوروبي، يجبر أوروبا على بذل المزيد من الجهود لجعل السياسة الأمريكية مستقلة عنها، وبخاصّة في السياسة الخارجية والأمن والاقتصاد، لكن هذه العملية لن تكون سريعة. سيظل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حليفين مقربين.
ومع ذلك، فإننا نشهد بالفعل بعض التغييرات في هذا المجال، وستستغرق هذه العملية بعض الوقت، كما سيظل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حليفين وثيقين رغم أننا بدأنا نشهد ببطء حركة في هذا المجال، كل هذا ينبع من قرار ترامب بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة أو الصفقة النووية الإيرانية وإصرار أوروبا الثابت على ضرورة الحفاظ على الاتفاقية كنقطة انطلاق لمزيد من الحوار مع إيران حول الشرق الأوسط.
3.ما فرص التعاون بين روسيا والاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط؟
من حيث المبدأ، يُلاحظ أن الاتحاد الأوروبي وروسيا لديهما إمكانات كبيرة للتعاون في الشرق الأوسط، وبخاصّة في الخليج العربي، إذ يشترك الجانبان في دعمهما لخطة العمل المشتركة الشاملة، وتستند مناهجهما تجاه الشرق الأوسط إلى التعددية والشمولية، حيث يشعر الجانبان بالقلق حيال مشاكل الإرهاب والهجرة وانتشار الأسلحة النووية، ويدعم الطرفان حلاً لصراع الشرق الأوسط على أساس مبدأ التعايش بين “إسرائيل” ودولة فلسطين، وقد اقترحت روسيا إطاراً أمنياً تعاونياً متعدد الأطراف للخليج العربي يدل على بعض التداخل مع تفضيلات الاتحاد الأوروبي الخاصة للتعددية والأمن المشترك.
وفي الواقع، فإن صياغة الاقتراح الروسي تشبه إلى حد بعيد النص الذي يلتزم به الاتحاد الأوروبي الذي (باستثناء المملكة المتحدة) ما زال يرفض حتى يومنا هذا الانضمام إلى المهمة البحرية التي تدعمها الولايات المتحدة في الخليج العربيّ، لأن هدفه هو عزلُ إيران واحتواؤها في وثائق الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، وفي الاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي يشار بوضوح إلى الالتزام بمبادئ التعددية وتوفير الحكم المشترك للأمن الإقليميّ، ومع ذلك –كما هو الحال في كل ما يميز العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبيّ– فإن التعاون السياسي بينهما تعوقه الخلافات السياسية التي ترتبط بتصرفات روسيا في أوكرانيا والتوتر حول الناتو ومخاوف العديد من دول الاتحاد الأوروبي من التدخل الروسي.
ورغم ذلك إذا قمت بفصل شبه القارة الأوروبية عن الشرق الأوسط، ولم تقم بنقل المشكلات في الأولى إلى حلول في الثانية، فيمكن للاتحاد الأوروبي وروسيا الحفاظ على التعاون الظرفي بشأن بعض القضايا دون أن يغض الطرفان النظر عن خلافات عميقة في مجالات أخرى. كما تعدُّ سورية حجر عثرة آخر في علاقتهما، ولكن يشترك الجانبان في مصلحة الاستقرار الوطني والاعتقاد بأن سورية يجب أن تظل دولة موحدة رغم الخلافات العميقة القائمة في المجال العسكري، وقد يصبح هذا البلد –وأقول إنه ينبغي أن يصبح– ساحة تدريب رئيسة لاختبار إمكانات التعاون في الشرق الأوسط بين الاتحاد الأوروبي وروسيا.
كما ستظل الدول الأوروبية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسياسة الأمريكية، رغم أنه أصبح من الواضح بشكل متزايد أنها لن تتبع السياسة الأمريكية في بعض القضايا.
ولا يسعنا إلا أن نأمل على المدى الطويل في أن يتبنى الاتحاد الأوروبي وروسيا تبنياً مشتركاً لتعددية الأطراف، وتُعَدُّ الأمم المتحدة أساساً قوياً يرتكز عليه مزيد من التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط، وأيضاً يمكن تحسين الأوضاع في هذا الاتجاه عن طريق إقناع الولايات المتحدة بالعودة إلى استقرار أكثر وسياسة خارجيّة يمكن التنبؤ بها على نحوٍ إيجابيّ تجاه المنطقة.
4.داهمت القوات الأمريكية الخاصة مقر “أبي بكر البغدادي” زعيم تنظيم “داعش” الإرهابيّ، وهو تنظيم إرهابي محظور في روسيا ودول العالم، ما التأثير الذي يمكن أن يحدثه هذا الحدث؟
إن مقتل “أبي بكر البغدادي” هو بالتأكيد ضربة أخرى لتنظيم “داعش”، إذ تمَّ القضاء على زعيمه الفعليّ وإضعافه بشكل كبير، ورغم ذلك فإنَّ هناك تهديداً من تنظيم “داعش” الذي يعدّ أكثر خطورةً من التنظيمات الإرهابية الأخرى، مثل تنظيم القاعدة، غير أنَّ مقتل البغدادي لا يحدّ بالضرورة من قدرات بقية الأعضاء أو الخلايا التابعة لهذا التنظيم نفسه، ومع أنَّ “داعش” أصبح أقل من تنظيم هرمي، فإنَّ ذلك لا يقلل من تعقيد العمليات في سورية والعراق، ولن يضعف بالضرورة من قدرات خلايا “داعش” الأخرى.
لقد فقد التنظيم سيطرته الإقليمية الصارمة في سورية والعراق حتى قبل مقتل البغدادي، وقد أدى تدمير وجوده الإقليمي الذي كان قائماً بالخلافة إلى إزالة خطورة التهديد فيه، ومع ذلك، فإن تهديد “داعش” لا يقتصر فقط على سيطرته الإقليمية، بل يقتصر على عنصره الأيديولوجي، الذي يصعب مواجهته.
نعلم أن تنظيم “داعش” قد اختار بالفعل زعيماً جديداً، وكما يحدث غالباً، عندما تتخلص من الرأس، يكون الشخص الذي يأتي بعده أكثر خطورة، والأولوية الرئيسة الآن هي حل المشكلة بالنسبة لآلاف الأعضاء من “داعش” وفروعه، وكذلك الزوجات والأطفال الموجودين في معسكرات الاعتقال في شمال شرق سورية والعراق. هذا مجال آخر حيث سيكون التعاون الدولي ضرورياً لضمان ألا يؤدي عدم الاستقرار في هذه المناطق إلى تنشيط “داعش” من جديد.
في هذا السياق، تحتاج الدول المشاركة في المنطقة إلى الاستفادة من درس العراق، ويجب أن يضمن أي اتفاق دبلوماسي لإنهاء الحرب السورية عدم تجاهل الدوافع التي تؤدي إلى الاحتجاجات والتمرد، ويجب البحث عن حلول للمشاكل وعدم تركها دون حلّ، وبخاصّة في سورية والشرق الأوسط، والحل لأكثر شمولاً والأكثر شفافية هو وحده القادر على مواجهة التهديد الأيديولوجي الذي يمثله تنظيم “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى الناتجة عن النزاعات والانعزالية والاستبداد.
اقرأ أيضاً: تركيا تهاجم ماكرون : يريد إقامة دولة إرهابية في سوريا